الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله الواسع المجيد، لا إله إلا الله الذي استوى في علمه القريب والبعيد، لا إله إلا الله، لا ملجأ منه إلا إليه، ولا مفر ولا محيد، لا إله إلا الله المؤمل لكشف كل كرب شديد، لا إله إلا الله المرجو للإحسان والمزيد، لا إله إلا الله، لا راحم سواه للعبيد، سبحانه فارج كرب المكروبين، ومجيب دعوة المضطرين، مزيل الشدائد واللأواء، فارج هم المهمومين، وكاشف غم المغمومين، ومجزل النعم على المخلوقين.
أحمده سبحانه وفق من شاء من عباده إلى الاستعانة به، وبدعائه، فأخلص العبادة والدعاء لربه، وأيقن من ربه بالإجابة، فهو سبحانه خير المسئولين، وأكرم المثيبين. من سأله أعطاه، ومن استعاذ به وقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الإله الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أكرم المرسلين، وأفضل الخلق أجمعين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، أهل البر والتقى، والصدق والوفا، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله، وتوبوا إليه واستغفروه، وأخلصوا له العبادة وحده، فقد خلقكم من أجلها، وهو المستحق لها وحده لا شريك له.
عباد الله: إنه ما نزل بلاء ألا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وإنّ تأخر المطر عن بلادكم واحتباسه عن حروثكم وأشجاركم سببه الذنوب، والمعاصي، وعدم التوبة النصوح، والرجوع إلى الله.
وإن الابتهال إلى الله في طلب الرزق، وطلب السقيا، ونزول الغيث، الذي به حياة الأشجار، وتوفر الثمار، وكثرة الأرزاق أمر مطلوب، وقد شرعه الله ورسوله للأمة.
ولقد شُكي القحط في زمنه r كما جاء ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها وغيرها قالت: شكا الناس إلى رسول الله r قحوط المطر، فأمر r بمنبر فوضع في المصلى -أي مصلى العيد- ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، قالت عائشة رضي الله عنها: فخرج رسول الله r حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر، وحمد الله U ثم قال: « إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله U أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم »، ثم قال: « الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله، يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغًا إلى حين، ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع، حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت، وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله » ([1]).
ألا فابتهلوا عباد الله إلى ربكم، واسألوه، وأحلوا في الدعاء، واعلموا أن الذنوب ومنع الزكاة، وبخس المكاييل، والموازين، والغفلة عن الله، وعن ذكره، من أسباب القحط، ومنع الغيث، ومحق البركات، وشدة المؤنة، والضيق في الأرزاق {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } [النساء: 79] ويقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186] ويقول U : {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } [النمل: 62].
ويقول سبحانه عن نبيه هود u : {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ } [هود: 52].
وقال عن نبيه نوح u : {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12]، وقال عن آدم عليه السلام وزوجه حواء {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء،أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أسقنا غيثًا هنيئًا مريئًا طبقًا مجللًا سحًا عامًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل. اللهم تحي به البلاد،وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد. اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا غرق.
اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت. اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع،وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين.
اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك،{فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [يونس: 85]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [البقرة: 286].
عباد الله: إن نبيكم r حينما استسقى قلب رداءه، واستقبل القبلة، ودعا ربه، وأطال الدعاء، فاقتدوا به، وألحوا في الدعاء، فإن الله يحب الملحين في الدعاء، اسألوه أن يغيث قلوبكم بالرجوع إليه، وبلدكم بإنزال الغيث عليه، وصلوا وسلموا على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
([1]) رواه أبو داود في كتاب الصلاة رقم (992).
المرفق | الحجم |
---|---|
3خطبة الاستسقاء.doc | 74.5 كيلوبايت |