الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ومنّ علينا باتباع هدي خير الأنام، أحمده سبحانه على إنعامه، وأشكره على نواله وإفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته،{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] واشكروه على نعمه التي لا تحصى، وعلى مننه التي تترى، إن نعمه سبحانه على خلقه تتجدد بالغدو والرواح، ومننه تتكرر علينا بالمساء والصباح، فاعرفوا قدر هذه النعم، واشكروا المنعم، فإن الشكر سبب لبقائها، وإن كفران النعم سبب لزوالها، يقول سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم: 7].
عباد الله: إن الله U منَّ عليكم بهذا الدين القويم، وهذا القرآن العظيم، وهذا النبي الكريم، فمن تمسك بدينه، واتبع كتاب ربه، وهدي نبيه، فقد وفق لطريق الهداية، وسبيل السلامة، وسعادة الدنيا والآخرة، إن سعادة الدنيا والآخرة لا تحصل إلا للمؤمن، إن غير المؤمن مهما أوتي من صحة وعافية، ومهما توفر لديه من أسباب الغنى والرفاهية، ومهما نال من مركز أو جاه، فهو في نكد من عيشته، وفي قلق من مجتمعه، وفي اضطراب من مستقبله، وفي تسخط من مصائبه يقول U : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] هذه حال من لم يؤمن بالله.
أما المؤمن فإن له سعادة الدنيا والآخرة، فهو في دنياه في طمأنينة، مهما كان وضعه؛ لأنه إن كان في صحة وغنى وأمن فهو قائم بشكرها، متواضع لربه، لا تحمله النعمة على الأشر والبطر، بل يرى نعمة الإسلام فوق كل نعمة، فرح بإيمانه بربه{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58] وإن كان في ضيق من العيش، أو في مصيبة من مصائب الدنيا التي لا يسلم منها مؤمن ولا غيره، فهو صابر محتسب، ملأ قلبه إيمانه بربه أمنا، فهو في سرور بطاعة ربه وإيمانه به، شرح صدره ما يرجوه من ثواب الله على صبره، وما أعده الله للصابرين في الدنيا والآخرة، فإذا تذكر ما أعده الله له هانت عليه كل مصيبة، وخف عليه كل بلاء؛ لأنه يعلم أن الدنيا زائلة، وأن الآخرة هي دار القرار، والله U يخبرنا أن سعادة الدنيا والحياة الطيبة إنما هي للمؤمن الحقيقي، يقول سبحانه: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
عباد الله: إن التمسك بتعاليم ديننا وشريعتنا السمحة من أقوى أسباب الاستقرار والطمأنينة والأمن في البلاد، إن كثيرًا من المجتمعات الإسلامية اليوم تنكبت لتعاليم دينها، وقصرت في القيام بواجباتها الدينية، فحصل عليها من الشقاء الدنيوي، والبؤس والتفرق بقدر بعدها من دينها، وحصل عليها من التفكك وتفرق الشمل بقدر ما تركت من تعاليم شريعتها الإسلامية.
لقد فشا في كثير من المجتمعات التي تتسمى بالإسلام التفكك الأسرى بين الأب وابنه، والأخ وأخيه، والزوج وزوجته؛ لأن الكل لم يتصفوا بتعاليم دينهم، من التسامح،والصبر، والتخلق بأخلاق القرآن، والتأدب بآداب الإسلام، والاقتداء بهدي النبي الكريم، بل ابتعد الكثيرون عن هذا كله، فصار رب الأسرة على جانب من سوء الخلق، وعدم الاستقامة في دينه، وهو قدوتهم، ينظرون إلى أفعاله وتصرفاته، فتجده بذيء اللسان، كثير اللعن والسب، كثير الكذب واللغو، لا يبالي بدينه، لا يحافظ على أمانته، لا على صلاته، ولا صيامه، ولا زكاة ماله، ويتناول الحرام، ويرتكب الآثام.
فمن كانت هذه حاله فماذا تكون أسرته، إنهم سيعملون كعمله، ويقتدون بفعله، ويتأثرون بتصرفاته، فمجتمع يتصف أهله بهذا الوصف لابد أن يتهدم بنيانه، وتنهار أركانه، وهذه نتيجة في الغالب حتمية لكل أسرة مفككة الأوصال، ممزقة الأخلاق، اتخذت إلهها هواها، واللذات واللهو غاية مناها، لا دين يردعها، ولا خلق عن القبيح يمنعها.
أما الأسرة التي تمسكت بدينها، وحافظت على أخلاقها، فنشأت على حب الدين، والاستقامة في أخلاقها، والقيام بأداء الواجبات الشرعية، والأخلاق الفاضلة، والصفات الزاكية، فكانت قدوة خير في سلوكها، داخل بيوتها، وخارجها، ونشأوا أسرهم على الآداب الإسلامية، عودوهم على العفة، والمروءة، والبعد عما يخدش كرامتهم، أو يسيء إلى سمعتهم.
فما أحرى من كانت هذه صفته من المجتمعات أن يسود بينهم الوئام، والمحبة، وجمع الشمل، وسعادة الدين والدنيا، سيكونون متعاونين، متكاتفين مع بعضهم، يشد بعضهم أزر بعض، يعطف كبيرهم على صغيرهم، وغنيهم على فقيرهم، ويحترم صغيرهم حق كبيرهم، يسود بينهم البر بالوالدين، وصلة الأرحام، والعطف على الأرامل، والأيتام ومساعدة البؤساء والمنكوبين.
اللهم وفقنا لخدمتك، ولزوم طاعتك، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،واجعلنا من الراشدين.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
المرفق | الحجم |
---|---|
1الأسرة المثالية وضدها.doc | 71 كيلوبايت |