الحمد لله الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده . أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ نعمه، وترادف مننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعد المؤمنين بالنصر والتمكين، أكرم بوعد أصدق القائلين، ومن يقول للشيء كن فيكون، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، بدَّد بسيف الحق ظلم الظالمين، وبغي المعتدين، وتحطم تحت قدميه كبرياء كل باغ، وكل جبار عنيد . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيلهم، وسار على نهجهم إلى يوم الدين .
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ولازموا تقواه في أعمالكم وأفعالكم وأقوالكم، واتبعوا كتاب ربكم تهتدوا، والزموا سنة نبيكم تفلحوا، ولقد قال الله جل وعلا: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة:2]. وقال سبحانه: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}[الحج:78] ولقد بين لنا رسول الهدى r مدى التعاون الإنساني، والترابط الإسلامي في أجلى صورة ومعانيه، بقوله r: « المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضًا »([2]) ،فشبه الإخاء الإسلامي، والتضامن فيه، بالبنيان المتراص الذي لا يمكن أن يتطرق إليه الخلل، فإذا اختل منه موضع لبنة تصدع وانهار، وكذلك الأخوة الإيمانية، الأخوة الإسلامية محكمة الربط، مشدودة الأواصر، شامخة البناء على كل حالة من حالات الزمن .
وإن من أهمها وأرساها إذا كانت الحال تتعلق بالجهاد في سبيل الله، فلقد شرع الله الجهاد في سبيله، وجعله فريضة على الأمة الإسلامية، كما أنه من أبرز مظاهر التعاون العملي لتدعيم الإخاء الإسلامي، إذ تتساند القوة الإسلامية، وتتحد فيه القلوب، وجميع القوى، لحماية الإسلام ومقدساته من عبث العابثين، وبغي الباغين، واعتداء المعتدين، وفي هذا الظرف يتحتم على المسلمين أن يوحدوا صفوفهم، ويبذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله، ويتساندوا، ويشد بعضهم أزر بعض، ويتكاتفوا على القيام بفريضة الجهاد، والدفاع عن الحرمات والمقدسات، سيما في هذا الظرف الذي طغت فيه العلمانية، وسادت في كثير من بلاد العالم الإسلامي، يتنكرون لدين الله، ويقتلون عباد الله، ويتسلطون على كل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر، يقتلون بعضًا، ويسجنون بعضًا، وينفون بعضًا،{ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[البروج:8] .
يعلمون أن دين الإسلام يحول بينهم وبين شهواتهم المحرمة، وغدرهم وخياناتهم وتسلطهم على عباد الله، وتعاليهم وكبريائهم على الناس، فلهذا تسلطوا على المؤمنين، وعلى كل متمسك بدينه .
لقد نقضوا العهود، وحطموا المواثيق، ولم يراقبوا في مؤمن إلًا ولا ذمة، يريدون بذلك أن يقيموا للباطل منارًا، وللجاهلية شعارًا، وللعلمانية أوكارًا . ويخدمون الصليبية سرًا وجهارًا. يريدون الصد عن سبيل الله . يريدون أن لا يعبد الله، وحتى لا يقال في الأرض: الله الله .{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[الصف:8] .
وإن الله جل وعلا قد أذن للمظلوم أن ينتصر . أذن له أن يقاتل . أذن له أن يبتر الأيدي الأثيمة المحرمة، الملطخة بالدماء البريئة، الدماء المؤمنة، التي أزهقوها من أبناء شعبهم وغير شعبهم، فإن الله وعد بقطع دابر الباغين والظالمين، ووعد المؤمنين بالنصر المبين، فقال سبحانه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج:39] {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }[النساء:74]{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا(95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:95-96].
ذلك يا عباد الله هو البيان الواضح والأمر الصريح من الله في الجهاد، ورد العدوان، فاستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم .
أيها الشباب المسلم ؛ أولو العزم والقوة والحمية الإسلامية ؛ انصروا دين الله، وجاهدوا في سبيل الله تحت راية الإسلام، لا للقومية، ولا للعصبية، ولا للعنصرية، أو الحزبية، بل جهاد في سبيل الله وحده، قتال لتكون كلمة الله هي العليا، ولتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فإن من بذل وسعه في الجهاد، وكتب الله له البقاء، عاش عزيزًا حميدًا، وقد وهبه الله أجر المجاهدين، وإن كانت الأخرى نال أجر الشهداء، نال الجنة، دار العزة والكرامة، والرضوان والنعيم المقيم، فقد قال r: (( انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة )) ([3]).{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران :169-170] .
وقد قال r: « لغدوة في سبيل الله، أو روحة، خير من الدنيا وما فيها»([4]) .
وقال عليه الصلاة والسلام: « لا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم » ([5]).
فاتقوا الله عباد الله، وهبوا لنصرة دين الله، وإعلاء كلمة الله، جاهدوا في سبيل الله أولي الظلم والطغيان، والبغي والعدوان .
وإنا نحمد الله عز وجل على ما من به من إذلال أولئك الباغين المعتدين،وعلى ما أذاقهم من العذاب الأليم، فله الحمد سبحانه وحده، وله الفضل والمنة، وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه:{ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}[يونس:23]. وفي الحكم المشهورة: وإن على الباغي تدور الدوائر.
لقد كسر الله شوكتهم، وشتت شملهم، وأذاقهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، ولقد قال عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}[الأنفال:36].
فالله الله عباد الله بالتمسك بكتاب ربكم، وبسنة نبيكم، والمداومة على طاعته وعبادته، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، فقد وعدكم الله على ذلك الفضل الكثير، والفوز الكبير .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }[الصف:10-13].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين . أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .
أول الخطبة الثانية
الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، أحمده سبحانه على حلو نعماه، ومر بلواه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ناصر المؤمنين، وخاذل الباغين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أذل به المعتدين، ونصر به المؤمنين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في الله حق جهاده ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا حقيقة دينكم، ولا تغرنكم المظاهر الزائفة، والشعارات البراقة، والكلمات المعسولة، من أناس يتكلمون بالإسلام، وهم معوله الهدام، يصرخون باسم الدين، وهم أعداء الدين، ينفذون المخططات الصليبية الحاقدة، والعلمانية المأجورة، يلبسون للناس لباس المسلمين، ويتكلمون بلغة أهل الإسلام، ويحاربون الله ورسوله والمؤمنين، كم قتلوا العلماء المصلحين، وهدموا المساجد، ومنعوا تعليم القرآن، وسفكوا دماء المسلمين، وأبعدوا تعليم الدين من مدارسهم، وحاربوا الله ورسوله بالجهر بالتنقص لتعاليم الشريعة، وشتتوا المسلمين بهذه الأحزاب التي تكيد للإسلام، كل حزب بما لديهم فرحون .
إن الإسلام يعيش في محنة وامتحان، محنة مع أبنائه، ومحنة مع أعدائه، اعتداءات متوالية على الأفراد والجماعات، على المتمسكين به، يشنون عليهم حروب التهم والشبهات، وحرب الأهواء والشهوات، وبلبلة في الأفكار، وفوضى في الأخلاق والقيم، واختلافات في العقائد، كل هذا للقضاء على الإسلام، أبواق تنعق بكل باطل وزور وبهتان، يروجها المأجورون المنحلون عن الدين القويم، وعن الخلق المستقيم، وقد ينخدع بهم السذج من الجهلة، الذي جاء وصفهم في قول الإمام علي بن أبي طالب t، حيث قال: « الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وسائر الناس همج رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق »، فاحذروهم أيها المسلمون، وكونوا على بصيرة من دينكم، وتمسكوا بكتاب ربكم، وسنة نبيكم، ولا يغرنكم الباطل بزخرفه، ولا المبطلون بأكاذيبهم وأباطيلهم، فما أشبه هؤلاء بمن قص الله علينا خبرهم من أهل الكتاب بقول سبحانه:{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[آل عمران:78] .
([1]) ألقيت سنة 1411هـ .
([2]) رواه البخاري في كتاب الأدب رقم (6026) .
([3]) رواه البخاري في كتاب الإيمان رقم (36) .
([4]) رواه البخاري في كتاب الجهاد رقم (2792)، ومسلم في كتاب الإمارة رقم (1880) .
([5]) رواه الترمذي في كتاب فضائل الجهاد رقم (1633) والنسائي في كتاب الجهاد رقم (3059) .
المرفق | الحجم |
---|---|
13الجهاد في سبيل الله.doc | 83.5 كيلوبايت |