الحمد الله القوى العزيز، القادر القاهر، بيده العز والنصر، وله الخلق والأمر، أحمده سبحانه حمد من آمن به واستقام، وأشكره شكر معترف له بجزيل الإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعد المجاهدين الصادقين النصر والتمكين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، قدوة المجاهدين، وسيد الصابرين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون.
أما بعد: أيها المسلمون، اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، اتقوه في أنفسكم، اتقوه في إيمانكم، حققوا ما اتصفتم به من الإيمان، إن الإيمان ليس بالتمني، ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال، كيف يكون مؤمنا حقا من لا يبالي بأوامر ربه لا يحقق إيمانه بالشهادتين، ولا يقيم الصلاة كاملة في خشوعها، وفي أوقاتها ولا يخرج الزكاة على وجهها، ولا يواسي إخوانه من المضطرين إليه بمعونته المعنوية والمادية؟! كيف يكون مؤمنًا حقَّا من يقرأ القرآن، أو يسمع آيات الله تتلى عليه، فلا يمتثل ما تأمر به؟! يسمعها وكأنها لا تعنيه، كأنها تعني أشخاصا آخرين، أو تعني أمة قد خلت، ومضت، لا يقشعر جلده، لتخويفها، وتهديدها، ولا يلين قلبه لوعدها ووعيدها، لقد اتصف الكثيرون بما وصف الله به أهل الكتاب من قبلنا، من قسوة قلوبهم، وتماديهم بالطغيان والعصيان، ولقد حذرنا القرآن أن نكون مثلهم أو أن نتصف بصفاتهم، فهلا امتثلنا وسمعنا تذكيره وتحذيره لنا !يقول سبحانه:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ }[الحديد: 16]. فقد عاتب الله عباده المؤمنين بهذه الآية، قال ابن كثير رحمه الله على هذه الآية:أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي:تلين عند ذكر الله، والموعظة، وسماع القرآن، فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه.
عباد الله: لقد حذرنا الله من التشبه بهؤلاء الذين قست قلوبهم من أهل الكتاب، لما طال عليهم الأمد بدلوا كتاب الله، واشتروا به ثمنا قليلا، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة، والأقوال المؤتفكة، وقلدوا الرجال في دين الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، فعند ذلك قست قلوبهم، فلا يقبلون موعظة، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد، وكثير منهم فاسقون، فقلوبهم قاسية فاسدة، وأعمالهم باطلة خاسرة.
إن هذه الآية وصفت أهل الكتاب بقساوة القلوب، وسوء الأعمال، وإن أعظمهم جرما، وأسوأهم حالا، وأشدهم كفرا، هم اليهود الذين ذمهم القرآن في عدة آيات وبين أمرهم وكشف أحوالهم وأوضح عداوتهم للمؤمنين فقال سبحانه: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].وقال سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } [المائدة:41- 42].
إن هذه الطائفة الباغية المعتدية الظالمة من اليهود الذين ذكر الله عداوتهم لله، ولرسوله، وللمؤمنين، وشدة حنقهم على الإسلام والمسلمين، وسوء طويتهم، وكيدهم، ومكرهم. لقد تجرأ بهم الطغيان، وتمادى بهم التجبر إلى تقتيل المسلمين في ديارهم، وتشريدهم، وتدمير بلادهم، إنهم بهذا الصنيع يريدون أن يحققوا أطماعهم التوسعية، وتخطيطاتهم الأثيمة الغاشمة، إن هؤلاء الذين لعنهم الله وجعل منهم القردة والخنازير، وعبد الطاغوت، لا يألون جهدا في هدم الإسلام، حسدا وبغيا، كما كان أسلافهم من قبل، أنتم معشر المسلمين اليوم أمام فتنة عمياء، وشدائد مظلمة تستهدف إضعاف المسلمين، وانتهاك قواهم، وإن هذه المرحلة التي نحن فيها من أصعب المراحل، وأشد التحديات فيجب على المسلمين أن يتحركوا تحركا واحدا، ويضحوا بالغالي والرخيص أمام هذا العدو السافر، وهذا المتغطرس الماكر.
إنكم أيها المسلمون مسئولون أمام الله ؛ مسئولية كبرى عن هذا التفرق، وهذا التشتت الذي اغتنمه أعداؤكم، وقاموا بتمزيق بعضكم، والعجب أن كثيرا ممن يتسمى بالإسلام قد وقفوا موقف المتفرج، لا صيحة لهم تسمع، ولا لسان ينطق بالدعوة لصد هذا العدوان الغاشم، ولا دعوة للجهاد في سبيل الله وبذل النفس والنفيس في الذود عن كيان المسلمين في تلك البلاد التي استهدف فيها المسلمون، وتركزت الإبادة عليهم، ومناطقهم السكنية.
عباد الله: إن الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام، إنه فرض كفاية على جميع الأمة الإسلامية، إنه فرض عين في مواضع معروفة، لقد ورد الحث على الجهاد وبيان فضله في آيات لا تحصر، وفي أحاديث لا تحصى، لقد قال I:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41].
وقال سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].
وروى البخاري ومسلم عن أبي ذر t قال: قال رسول الله r: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها».
وروى مسلم عن أبي هريرة tقال:قال رسول الله r: « تَضَمَّنَ الله لِمَنْ خَرَجَ في سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إلا الْجِهَادُ في سَبِيلِي وَإِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي فَهُوَ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أو أُرْجِعَهُ إلى مَسْكَنِهِ الذي خَرَجَ منه نَالَ ما نَالَ من أَجْرٍ أو غَنِيمَةٍ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده ما من كَلْمٍ يُكْلَمُ في سَبِيلِ الله إلا جاء يوم الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ يوم كُلِمَ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ رِيحُ مِسْكٍ والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده لَوْلاَ أن أَشُقَّ على الْمُسْلِمِينَ ما قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو في سَبِيلِ الله أَبَداً ولكني لاَ أَجِدُ سَعَةً فيتبعوني وَلاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ فَيَتَخَلَّفُونَ بعدي والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده لَوَدِدْتُ أن أَغْزُوَ في سَبِيلِ الله فاقتل ثُمَّ أَغْزُوَ فاقتل ثُمَّ أَغْزُوَ فاقتل».
فهبوا عباد الله للجهاد في سبيل الله، ونصرة دين الله، وإعلاء كلمة الله، جاهدوا تحت راية الإسلام لا للقومية، والعصبية، ولا للعنصرية، والحزبية، بل جهاد لوجه الله، جهاد لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، المؤمنين الصادقين في إيمانهم، المؤمنين حقا الذين وصفهم الله بقوله:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2 - 4]. هؤلاء هم الذين لهم النصر من عند الله، الذين عناهم الله بقوله: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]. {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } [غافر: 51].{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد: 7].
فحققوا عباد الله ما أراد الله منكم من طاعته والعمل بما يرضيه، والجهاد في سبيله، يحقق لكم ما وعدكم به من النصر والتأييد، والعز والتمكين.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
المرفق | الحجم |
---|---|
15فضل الجهاد.doc | 79 كيلوبايت |