الحمد لله مؤيد المؤمنين، ومعين الصابرين، أمر بالمجاهدة للنفوس على شرائع الدين، ووعد المجاهدين بالنصر والعز والتمكين. أحمده سبحانه على فضله وإحسانه، وأشكره على ترادف إنعامه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفي الأمين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوه بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، اتقوه بالتقرب إليه فيما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال، واعلموا أن أساس الدين وقوامه هو الإيمان بالله والاستقامة علىه، ومجاهدة النفس على الصبر، بفعل المأمور، والبعد عن المحذور، وعلى الصبر فيما يقرره سبحانه على عبده في هذه الدنيا، فكل هذا يحتاج من العبد المصابرة والمجاهدة حق الجهاد؛ حتى يكون المؤمن كامل الإيمان، يحقق إيمانه بربه، ويتم له رضوان الله، ويكون من عباد الله الذين وعدهم الله رضوانه بقوله: { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 100]. يقول سبحانه-آمرًا بالمجاهدة والصبر على أوامره-:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78].
وإن الجهاد -يا عباد الله- كلمة جامعة شاملة، يدخل تحتها أمور كثيرة، يدخل تحتها جهاد النفس على أداء الفرائض، وعلى منع النفس وحمايتها عن الوقوع في الشهوات المحرمة، ومقارفة الذنوب والمعاصي التي نهى عنها الله ورسوله، ويدخل تحتها الصبر على ما يصيب العبد من الآلام البدنية والنفسية، أو المصائب في البدن والمال والولد؛ كما أنه يدخل تحت كلمة الجهاد، الجهاد في سبيل الله وهو أعلى أنواع الجهاد، وهو الذروة من الإسلام، وعلىه قيام الدين، وورد فيه من الفضل العظيم، والثواب الجسيم ما لم يرد في كثير من الأوامر الشرعية.
وذلك أن الجهاد في سبيل الله قوام الأمور وصلاحها، وفيه أمن البلاد وفلاحها، وانتظام الأمور ونجاحها، وقد أمر سبحانه نبيهrوعباده المؤمنين بالجهاد في نصوص كثيرة، ورتب علىه خيرات، وأجورًا غزيرة، وكما أمر به فقد أمر-أيضا-بالاستعداد له، واستكمال وسائله، وهي من جملة واجبات الجهاد؛ لأن الوسائل لها حكم الغايات، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يقول سبحانه:{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، ولكل زمان قوة وتعاليم حربية تخص ذلك الزمان، بحسب تطور الأجيال، وتغير الأحوال، وإن الجهاد في سبيل الله لا يتم ولا يقوم إلا بتعلم العلوم الحربية، والتفنن بالفنون العسكرية، والتدريب على أنواع الأسلحة الحديثة، والتعود على القوة والشجاعة، والحزم في أمور الحرب، وعدم إضاعة الوقت، والركون إلي الدعة والراحة، والانغماس في الترف. فإن الميل إلى الترف والراحة وترك التعود والتمرن على آلات الحرب من أضر الأمور على الدين، وعلى البلاد والعباد والحكومات والشعوب.
وقد قال r في قوله سبحانه:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ }: «ألا إن القوة الرمي. ألا إن القوة الرمي. ألا إن القوة الرمي». وهذا تفسير منه r شامل وعام في كل زمان، على اختلاف أنواع الأسلحة والقذائف والقنابل والصواريخ. فصلاة الله وسلامه على من أعطى جوامع الكلم، وقال r : « ارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلى من أن تركبوا ».
فيا معشر المسلمين، ويا أيها الشباب المسلم: كيف أهملنا هذا الواجب الديني؟! وهذا الأصل العظيم من أصول ديننا؟! وكيف ضيعنا هذا الفرض الذي لا تستقيم الأمور إلا به؟! نجد الكثيرين منا لا يحسنون الرمي ولا فنون الجهاد، ولا يعرفون أنواع الأسلحة الدفاعية، أو الهجومية، أليس كل مسلم مخاطبا بحماية دينه، ووطنه، والدفاع عن نفسه ومحارمه؟! إن ترك التعلم على آلات الجهاد والوسائل الحربية نوع من أنواع التخاذل والضعف والهوان. إنه سبب قوي لتسلط الأعداء وطمعهم فينا. إنه نوع من الذل والمهانة.
إن الانشغال عن الجهاد بأنواع التجارات، والجري وراء المكاسب، والتفاخر بأنواع المراكب والملابس، والتكاثر بالأموال وجمعها، والاشتغال بالزراعة والحراثة، لون من ألوان الإلقاء بالأيدي إلى التهلكة، وسبب لتسلط الأعداء علىكم. ألم تسمعوا وتعوا ما قال نبيكم الكريم الناصح الأمين r : « إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ».
فهذا إخبار منه عليه السلام أن الناس إذا اشتغلوا بالدنيا، وانكبوا على أسبابها، وأهملوا الاستعداد للجهاد، وأخذ الحذر من عدوهم، وقع في قلوبهم الجبن والوهن والضعف، وتسلط عليهم الأعداء، لقد وقع كما أخبرrفي كثير من البلاد الإسلامية.
إنه يجب على المسلمين أن يعتنوا بهذا الواجب الديني الكبير، ويستعدوا لعدوهم بكل ما يستطيعون من قوة مادية وقوة معنوية، وإن من أهم هذه الأمور، في هذا الوقت الراهن، وهذه الآونة الأخيرة تعلم النظم الحربية والفنون العسكرية التي تهيئ المسلمين للكفاح عن دينهم ووطنهم وتدربهم على المحافظة على كيانهم وإسلامهم، وتوقف المعتدين عند حدودهم، ويحصل بها لهم الرعب والرهبة، ولا ينبغي للمسلمين أن يكونوا بحاجة إلى غيرهم. فإن الله كتب لهم العز والتمكين إذا فعلوا الأسباب، وامتثلوا أوامر ربهم ، ونصروا دينه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد: 7].
فاتقوا الله عباد الله، وقوموا بواجب الجهاد ووسائله ومكملاته من جميع النواحي، فإن الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الدين، « ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق» .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج: 40].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أول الخطبة الثانية
الحمد لله العليم الحكيم، أحمده سبحانه على نعمه الغزار، وأشكره على جوده المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وسارعوا إلى طاعته ومرضاته، والعمل بما يرشد إليه القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، فإن الله سبحان يأمرنا بالاستعداد لقتال الأعداء، وعدم الغفلة عن ذلك، ويأمرنا ببذل الوسع في كل ما يعود علىنا بالقوة ضد أعداء الدين؛ استعدادًا وإرهابًا حتى لا يطمعوا فينا ، ويستهينوا بنا ، فإن من كتب العزة والقوة للإسلام ما دام أهله متمسكين به، عاملين بأوامره، ممتثلين ما يرشدهم إليه كتاب الله وسنة نبيه ، وقد قال الله سبحانه : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
فهذا أمر من الله عز وجل لجميع الأمة الإسلامية أن يبذلوا وسعهم في الاستعداد للحروب والقتال في سبيله، فإن الاستعداد بالقوة الحربية بجميع أنواعها مما تحصل به الرهبة والرعب في قلوب الأعداء، الذين هم أعداء للإسلام والمسلمين بأننا قادرون بأن نكون أقوياء، أعزاء بين سائر الأمم، يجب علينا أن نحشد جميع طاقتنا العلمية والمادية، لنكون مرهوبين بين الأمم، ولتكون كلمة الله هي العليا.
المرفق | الحجم |
---|---|
16الحث على تعلم الآليات الحربية.doc | 76 كيلوبايت |