الحمد لله الذي أسعد بجواره من خافه ورجاه، مَنَّ بجنته على من امتثل أمره واتقاه، أحمده سبحانه حمد معترف له بنعماه، وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الحنفاء، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله حق تقواه، واعلموا أن المؤمن الصادق في إيمانه حذر في كل أحواله، يراقب ربه، ويخاف سطوته، ويتبع أوامره، ويجتنب نواهيه، يسابق إلى الخيرات، ويجتنب المنكرات، يحب في الله، ويبغض في الله، ويعادي في الله، ويوالي في الله، يأتمر بما أمره وينتهي عما نهاه، ألا وإن مما أمر الله به، وحث رسوله r عليه: حفظ الجوار، ومعرفة حقه، والقيام به، امتثالا لأمر الله، وعملا بقول رسول الله r ، فقد قال الله U :{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36].
وقد قال رسول الله r : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه » . وقال عليه السلام: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ». وقال عليه السلام:« لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ».
عباد الله: إن للجار حقوقا على جاره أوجبها الشارع وحث عليها. وإن القيام بها من الدين، ومن المروءة، ومن مكارم الأخلاق، ومن كمال الإيمان .
إن الإحسان إلى الجيران، وتفقد أحوالهم، ورعاية شئونهم، والعطف عليهم، والتلطف بهم، وإرشادهم، ونصحهم، والاهتمام بأمورهم؛ مما أمرنا به ديننا.
إن الشريعة الإسلامية كما جعلت للقريب حقا على قريبه، جعلت للجار حقا على جاره، فعليك أيها المسلم بمعرفة حق جارك، والقيام به لتمتثل أوامر ربك، وإرشاد نبيك، وتحرز السمعة الحسنة، وتنال الأجر من الله، وتكمل إيمانك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره» .
أيها المسلم: لا تستكثر حق جارك مهما عملت معه، فلك في الإحسان إليه المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة، والأجر الوافر، لقد أكد المصطفى حقه امتثالا لوحي ربه، فقد قال عليه السلام: « مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه » .
عباد الله: إن أذية الجار من الأمور المحرمة، ومن الأدلة على عدم الوفاء، وعدم كمال الإيمان، ومن قلة المروءة، ومن ضعف الوازع الديني.
إن التقصير بحقوق الجوار ليس من أخلاق الكرام، ولا من صفات المؤمنين، إنه خلاف طريقة المصطفى عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم.
إنه مخالف لهدي صحابته الكرام الذين يؤثرون على أنفسهم؛ يؤثرون ضيوفهم؛ يؤثرون جيرانهم، يواسونهم في نفعهم، ويكفون عنهم أذيتهم، خيرهم لجارهم مبذول، وشرهم عنه معزول، إن بدرت منه بادرة سوء تحملوا وصبروا، وإن نالهم منه إحسان كافأوه وشكروا.
إن الإحسان إلى الجار والصبر على ما ينالك منه من علائم توفيق الله لك، ومن أسباب الفلاح والنجاح، تحصل لك محبة الله، ومحبة عباد الله المؤمنين، يشكرك على ذلك جيرانك وغيرهم، يحمدك الناس ويثنون عليك، ويشكرك على فعلك وإحسانك من لا يناله معروفك، وبعكس ذلك من يؤذى جيرانه فإنهم يبغضونه، ويكرهه الناس لسوء فعله، فيشتمونه، ويدعون عليه، ويلومونه على ذلك « جاء رجل إلى النبي r يشكو جاره فقال النبي r: اصبر. ثم قال له في الثالثة أو الرابعة: اطرح متاعك في الطريق، قال: فجعل أناس يمرون به ويقولون: مالك؟فيقال: آذاه جاره. قال: فجعلوا يقولون: لعنه الله، فجاءه جاره، فقال له: رد متاعك فو الله لا أعود ».
إن من حقوق الجيران كف الأذى عنهم، وبذل الندى لهم، واستعمال الرفق بهم، وإسداء الخير والمعروف لهم، وإظهار البشر والسرور فيما يسرهم، وتعزيتهم بمصيبتهم، وعيادة مريضهم، وحضور دعوتهم، وملاطفتهم، والإحسان إلى صغيرهم وكبيرهم، بالقول اللين، والبشاشة، وبذل ما تقدر عليه، من مساعدتهم بمالك وجاهك ولسانك، وكف أذاك عنهم فإن أذية الجار سبب من أسباب عذاب النار، يروى أنه قيل للنبي r: «إن فلانة تصوم النهار، وتقوم الليل، وتؤذى جيرانها. فقال رسول الله: هي في النار ».
فاتقوا الله عباد الله:{ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } [البقرة: 281].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أول الخطبة الثانية
الحمد لله العلي الكبير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، أحمده سبحانه وأشكره على جوده وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الورى. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أهل البر والوفا.
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى وامتثلوا أوامر ربكم، فإن الله أمركم بالإحسان والعدل، فقال - U -:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ } [النحل: 90].
ألا وإن من أعظم أنواع الإحسان: الإحسان إلى الوالدين، وذوى القربى، والجيران، فعلى المسلم أن يعرف لكل حقه، ويقوم بواجبه؛ كما أمره الله به فيؤدي الحقوق بنفس طيبة، ورغبة في الخير، وطمع فيما عند الله من الفضل والإحسان، فإن الله يجازيك على برك وإحسانك أتم الجزاء، يوسع عليك في رزقك، ويبارك لك في عمرك، مع ما يدخره لك من الأجر الأوفر والجزاء الأكمل، يوم القيامة.
واعلم أن التفريط في تلك الواجبات سبب لتشتيت أحوال الإنسان في الدنيا وعدم راحته وطمأنينته، فإن من ترك البر بأقاربه وجيرانه لابد أن يجد منهم ما يضيق به صدره، وينكد عليه حياته.
المرفق | الحجم |
---|---|
14الإحسان إلى الجيران وكف الأذى عنهم.doc | 70.5 كيلوبايت |