الحمد لله العلي الأعلى، له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، أحمده سبحانه وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم على الهدى.
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى، والزموا شكره، وذكره، فلقد حثكم سبحانه على ذلك، وأمركم به، ووعدكم على ذلك الأجر الأوفر، والفضل العظيم. يقول تعالى: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } [البقرة: 152] ولقد أثنى سبحانه على عباده المديمين لذكره في كل أحوالهم، ومدحهم عليه، فقال U : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191]. قال ابن عباس رضي الله عنهما يذكرونه بالليل والنهار، في البر والبحر، والسفر والحضر، والغنى والفقر، والصحة والمرض، والسر والعلانية.
وقد أمر سبحانه عباده المؤمنين بالإكثار من ذكره، والمداومة عليه، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41، 42]. وقال سبحانه: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران: 41]. وقال r: يقول الله U: (( أنا مع عبدي إذا هو ذكرني، وتحركت شفتاه بي )).
وقال عليه السلام: (( ما عمل ابن آدم عملًا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد سبيل الله؛ إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع، ثم تضرب به حتى ينقطع، ثم تضرب به حتى ينقطع )). وقال r : (( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قيل: وما رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر)).
وجاء عن أبي الدرداء t قال: قال رسول الله r: (( ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله )).
وقال r : يقول الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلى شبرًا، تقربت منه ذراعًا، وإن تقرب إلى ذراعًا، تقربت منه باعًا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة ». وفي حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله r : « ما جلس قوم مجلسًا يذكرون الله فيه، إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده » .
واعلموا عباد الله، أن أفضل أنواع الذكر تلاوة كتاب الله تعالى، وقد رتب سبحانه على ذلك الفضل العظيم، إذ أخبر r أن من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، وقد رغبنا عليه السلام في أدعية وأذكار مخصوصة ينبغي المحافظة عليها اقتداء بالنبي الكريم، وطلبا للثواب الجسيم، فقد قال عليه السلام: « من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، فكأنما أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل » .
وقال r : « من حمد الله دبر كل صلاة ثلاث وثلاثين، وسبح الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر» ، وقال عليه الصلاة والسلام لأبي موسى t: «قل لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة ». وقال r : «كلمتان حبيتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ».
عباد الله: إن ذكر الله سبب لانشراح الصدر وطمأنينته؛ لأن ضيق الصدر، وكثرة الغضب واللجاجة من الشيطان، وذكر الله يطرد الشيطان.
ويقول U : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]. ويقول سبحانه وتعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
عباد الله: إن الغفلة عن ذكر الله، والإعراض عنه، من صفات أهل النفاق، وقد ذمهم سبحانه وعابهم على ذلك، فقال U : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء: 142]. وقد توعد سبحانه من قست قلوبهم عن ذكره فقال U : { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22].
ولقد نهى سبحانه نبيه الكريم r أن يتصف بصفات الغافلين عن ذكره فقال تعالى: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]. وعاب r من جلس مجلسا، وقام لم يذكر الله فقال عليه السلام: « ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة يوم القيامة ».
فاتقوا الله أيها المؤمنون والمؤمنات، وأكثروا من ذكره، فقد وعدكم الله على ذكره المغفرة والأجر العظيم، فقال U: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]. ولقد أمر الله سبحانه أكرم الخلق عليه بذكره، ونهاه عن الغفلة فقال U: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205].
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
المرفق | الحجم |
---|---|
9الحث على ذكر الله.doc | 72.5 كيلوبايت |