الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وشرفنا باتباع هدي خير الأنام، أحمده سبحانه وأشكره الذي جعل المساجد مأوى لأهل التقوى والعرفان، وجعل ارتيادها من علامات الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أذن أن ترفع المساجد، ويذكر فيها اسمه،وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أمر ببناء المساجد وتنظيفها وتطييبها، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه .
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا عباد الله أن الله أمرنا بالتسابق إلى فعل الخيرات، ومتابعة الحسنات، والاهتمام بما من شأنه أن يعود نفعه على الأمة الإسلامية، ويسهل عليهم أداء عباداتهم، ويكفل لهم أداء واجباتهم الدينية بكل يسر وطمأنينة.
وإن أهم العبادات التي فرضها الله علينا بعد توحيده، وإخلاص العمل له، هي هذه العبادة العظيمة، ألا وهي الصلاة، التي هي صلة بين العبد وبين ربه، وإن الاهتمام بالمساجد التي تقام من أجل هذه العبادة الشريفة، وما تشتمل عليه من الروابط بين المسلمين، والتعارف بينهم، وحصول التوادد والتراحم والتعاطف والتعرف على فقيرهم، والسؤال عن غائبهم، وزيارة مريضهم، والصلاة على ميتهم، فإن هذا لا يحصل غالبًا إلا بوجود هذه الأماكن المطهرة، ألا وهي المساجد لذلك كان أول عمل عمله رسول الله r حينما وصل إلى المدينة في هجرته المباركة أن بنى مسجده الشريف، وجعل الصحابة y من المهاجرين والأنصار يبنون بأيديهم، ولقد ساهم r في بنائه أعظم مساهمة بتوجيهه، وإرشاده، وعمله بيده الشريفة، فلقد كان r ينقل الحجارة، ويحمل اللبن على عاتقه r ؛ طلبًا للأجر والثواب، وتشجيعًا لأصحابه، وليتأسى به من بعده من أمته.
عباد الله : إن بناء المساجد ورفعها، والاهتمام بشأنها من أفضل الأعمال، فلقد قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 18] وقال سبحانه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:36-37] وقال r : « من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة» ([1])، وقال r : « من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاه([2]) لبيضها بنى الله له بيتًا في الجنة » ([3]).
فسارعوا عباد الله إلى التعاون في بناء المساجد، وتسابقوا إلى فعل الخيرات، وإن كل ما عم نفعه المسلمين كان أعظم أجرًا، وأرفع ذكرًا، لهذا كان خلفاء الأمة الإسلامية y يتسابقون إلى ذلك، ويهتمون بعمارة المساجد وإن عنايتهم في الحرمين الشريفين من فجر الإسلام إلى يومنا هذا معروف، ومعلوم عند جميع المسلمين.
فتسابقوا عباد الله إلى فعل الخيرات واكتساب الأجر والحسنات، ومن أهمها بناء المساجد في المدن والقرى والعناية بشؤونها، فإن هذا من الحسنات الجارية للعبد وهو في قبره، واحرصوا على عمارة المساجد بكثرة التردد عليها؛ لإقامة الصلاة وحضور الجمع والجماعات، وتلاوة القرآن والذكر، فإن هذا هو عمارتها الحقيقية، وإنما بنيت المساجد لذلك، والتردد عليها دليل الإيمان كما روي في الحديث: (( إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان )) ([4])، والله U يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18].
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أول الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه بأعمالكم وأقوالكم، حافظوا على أوامر ربكم، وتسابقوا إلى فعل ما أمركم الله به، وأمركم به رسوله r من بناء المساجد، طاعة لله، وإخلاصًا له، وطمعًا في ثوابه الذي رتبه على ذلك، فقد جعل الله جزاء من بنى لله مسجدًا أن يبني الله له بيتًا في الجنة، وهل هناك أعظم من هذا الجزاء، فتنافسوا في ذلك، ففي ذلك فليتنافس المتنافسون.
عباد الله: إن للمساجد ماضيًا مجيدًا، وإن لها صوتًا عاليًا مسموعًا من فوق مناراتها ومنابرها، يذكر بمجدها، ويعلي من شأنها، لقد كان المسجد مهد المسلمين الذين درجوا في رحابه على هذه التعاليم القويمة، والمعهد الذي يجتمعون فيه لتعلمها ودراستها، وكانت صلاة الجمع والجماعة أظهر صورة لوحدتهم، وأروع مثال على تضامنهم وألفتهم، ومن المسجد انطلقت الدعوة إلى الله، ورفعت راية الجهاد في سبيله، وتبصير الناس في دينهم، وبيان أحكامهم ومعاملاتهم، تخرّج من المسجد أبطال الجهاد، وعلماء الأمة، وعبادها، ومفكروها، وقادتها، تخرج من المساجد المحدثون والفقهاء والمفتون وأئمة الهدى في كل فن من الفنون، فاعرفوا قدرها وتنافسوا في عمارتها اقتداء بنبيكم الكريم r .
([1]) رواه البخاري في المساجد (1/453) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم (533).
([2]) المفحص: عش الطير، القطاة: طائر يشبه الحمامة.
([3]) رواه أحمد في مسنده (1/241).
([4]) رواه الترمذي في كتاب تفسير القرآن رقم (3093) وابن ماجة في كتاب المساجد والجماعات، رقم (802).
المرفق | الحجم |
---|---|
14عمارة المساجد.doc | 73 كيلوبايت |