الحمد لله، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، يختص برحمته من يشاء، وهو الحكيم الخبير. أحمده سبحانه على سوابغ نعمه، وأشكره على ترادف جوده وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي طهر الله قلبه من الغل والحسد، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: أيها المسلمون، قد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: « إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، وتنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا؛ كما أمركم الله، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه » .
عباد الله: إن الشارع الحكيم هو الناصح الأمين، إنه يحذر أمته من الأمور التي تعود عليهم بالنقص في دينهم وفي دنياهم وفي مجتمعهم، إن هذه الخصال المذمومة التي حذر r منها، هي أساس الشرور بين المسلمين، إنها خصال ذميمة، إنها لم تفش في مجتمع إلا أفسدته، وشتتت شمله، وفرقت كلمة أهله، وجعلتهم في قلق واضطراب، ونزعت من بينهم المودة والوئام، وإن من أشدها ضررًا، وأسوئها عاقبة، وأكثرها فشوًا الحسد؛ إنه المرض الفتاك، إنه الداء العضال، الذي ابتلى به كثير من الناس اليوم، وقبل اليوم.
إنه أول ذنب عصى به الله؛ إنه ذنب إبليس الذي بسببه طرده الله، ولعنه، وأهبطه من السماء، وقال له رب العزة: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ } [الحجر: 34، 35].
عباد الله: إن الحسد من صفات أهل النفاق الذين امتلأت قلوبهم غيظ على المسلمين، وشرقوا بدعوة سيد المرسلين، إن الله وصفهم في كتابه العزيز بأنهم يحملون في طيات قلوبهم من الغيظ ما يجعلهم يعضون على أناملهم حقدا وغيظا على المسلمين قال الله U : {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 119، 120].
عباد الله: إن الحسد متى توغل في الصدور، واستعلى على النفوس، حصل التفكك في المجتمع وذهب التناصح وزال التواد والتآخي، وحصلت الذلة والاستكانة، وطمع الأعداء فينا. إنه ما فشا في أمة إلا أفسد ضمائرهم، وشتت شملهم، وفرق وحدتهم.
لقد وبخ الله المرتكبين له وذمهم على الاتصاف به فقال سبحانه وتعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54].
ولقد قال النبي الكريم r في النهي عنه والتحذير منه، وبيان سوء عاقبته على المتصفين به: «إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» ، وروى عنـه r أنه قال: « لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا ».
عباد الله: إن الحسد خلق ذميم، إن الحاسد قد اعترض على الله في حكمه، قد اعترض على الله في تدبيره، يعد نعم الله على عباده من جملة مصائبه، فهو أبدا في هم وكبد، وفي غم ونكد، قد أحرقت نار الحسد فؤاده، والمحسود يتقلب في نعم الله لا يشعر بشيء من ذلك.
إن الحسد في نفس الحاسد لا يسكن إلا إذا زالت نعمة المحسود، وزوال النعم وحصولها إنما هو بيد الله سبحانه، إن الحسد يحمل صاحبه على كتمان الحق، وعدم الاعتراف بالفضل لأهله، إن الحاسد إذا علم من المحسود خيرا أخفاه، وإن علم شرا أذاعه وأفشاه، وإن لم يعلم حاول الكذب، وربما تعمد الكذب عليه، إنه يدل على ضعف الإيمان، ولو تمكن الإيمان من قلبه لحجزه عن التمادي فيما يغضب الله.
فاتقوا الله عباد الله، وتخلقوا بالأخلاق العالية، وترفعوا عن الخصال الرذيلة. تخلقوا بأخلاق القرآن الكريم، وتأدبوا بآدابه، وانهجوا نهج عباد الله المؤمنين، واتصفوا بصفاتهم التي أثنى الله عليهم بها ، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر: 10].
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
المرفق | الحجم |
---|---|
12من أضرار الحسد.doc | 69 كيلوبايت |