الحمد لله الحكيم الخبير، أحاط بكل شيء علمًا، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ نعماه، وأسأله المزيد من فضله، والإعانة على ذكره وشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على ما أولاكم من نعمه الظاهرة والباطنة، وأدوا شكرها ليحصل لكم المزيد منها، وخافوا من كفران النعمة، فإن كفران النعمة سبب من أسباب زوالها، وتعرض لنفورها، وإن من كفران النعمة عباد الله الغفلة عن مسديها،والإعراض عن الأوامر الإلهية، والانهماك في الشهوات المحرمة، والتقلب بالمعاصي.
إن الله خلق الخلق لعبادته، ورزقهم أصناف الرزق ليشكروه ويعبدوه حق عبادته، كما قال سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172].
وإن طاعة الله والعمل بما يرضيه من أعظم أنواع الشكر، كما قال سبحانه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سبأ: 13] فأخبر سبحانه أنه قليل من عباده الشكور، وأن الغالب على الخلق عدم الشكر، وعدم التقيد بالأوامر الشرعية، والانقياد لها.
إن كثيرًا من الناس اليوم قد منَّ الله عليهم بنعم وافرة، وسعة في الرزق، إلا أنَّ مما يؤسف له أن بعضًا منهم قد استعمل هذه النعم في معاصي الله، وفي مخالفة أمره، وأمر رسوله r .
لقد تمادى البعض في الترف المحرم، والترف المنهي عنه والتفاخر، حتى ارتكبوا بسبب ذلك المحرمات الموجبة لسخط الله ونقمته، وهذا خطر كبير، وبلاء عظيم، إنه ينبغي للمسلم أن يستشعر خوف الله ومراقبته في كل حين، ويعمل بطاعته ليأمن من عذابه وعقابه.
عباد الله: إن من أخطر الأمور التي حدثت في مجتمعات اليوم هذا التوسع الزائد عن قدر الحاجة في استجلاب الكثيرين من الخدم والخادمات من بعض البلاد التي لا يتقيد أهلها بالتربية الإسلامية الحقة، بل قلدوا الأجانب في أكثر أمورهم، ولم يلتزموا بتعاليم الإسلام، وقد كثر هؤلاء في مجتمعات المسلمين، إلى درجة خطيرة،وكثروا في البيت الواحد، هذا خادم، وهذا سائق، وذاك حارس، وآخر طباخ، دون الالتزام بالضوابط الشرعية في التعامل معهم، فأكثرهم يختلطون بالنساء، ويدخلون عليهم في غيبة من أوليائهن، والبيوت فيها الزوجات والبنات والأخوات،ولا يكترثن منهم، فالخادم يتردد بالحوائج عليهن، والسائق يذهب بهن إلى حيث يردن، ومن جانب آخر كثرت الخادمات، والمربيات في البيوت، يخلو بهن صاحب المنزل وأولاده وحشمه وخدمه، وهذا في الحقيقة أمر خطير، وشر مستطير، يجب التنبه له، وأخذ الحيطة فيه، لئلا يكثر الشر والفساد، فتحل علينا النقمة، وتزول منا النعمة.
لقد حذرنا الناصح الأمين r من ذلك، وبين خطره، فقال عليه الصلاة والسلام: « ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما » ([1])، فإذا كان الشيطان ثالثهما فلا تسأل عما يسوله ويحسنه ويمليه من السوء لا سيما مع قلة الوازع الديني، والرادع الخلقي، والمسئول القوي، وإن كثيرًا من تلك الخادمات تأتي بدون محرم، وربما كانت غير مسلمة، أو غير ملتزمة بالإسلام، أو كانت ناشئة في بلاد لا تعرف معروفًا، ولا تنكر منكرًا، وإن تسمت بالإسلام.
إن ما هو أشد خطرًا، وأعظم ضررًا، أن البعض يأتون بمربيات لأولادهم من الكتابيات، أو الوثنيات،وهذا شيء له مفاسده ومضاره في الحال والمآل.
إن تربية البنين وتنشئتهم على الخير والبر والصلاح، والاستقامة على الطاعة، أساس لأخلاقهم،ولدينهم، ومعاملاتهم .إذا نشأ الولد على تربية إسلامية صحيحة نشأ مسلمًا حقًا يقتدي به أولاده وأهله وجيرانه ومجتمعه في الاستقامة وحسن المعاملة، وإن نشأ على تربية شخص غير مسلم، وغير ملتزم بآداب الإسلام وأخلاقه فماذا تكون حالته، وكيف تكون تربيته؟! لا بد في الغالب أن تتغير فطرته، وينحرف خلقه، ويسوء أدبه. لقد قال r : ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه )) ([2]).
وما ذاك إلا لتربيتهما له؛ لأنه يسمع ما يتكلم به مربيه، ويتأثر بعمله، ويتحلى بخلقه، ويقلده بأفعاله، وما يكتسبه من أقواله، فإذا تولى تربية أولاد المسلم غير المسلم فمتى يسمع منه الطفل لفظ الشهادتين لينشأ عليهما؟ متى يراه يصلي الصلاة، ويتوضأ لها حتى يسمع منه الحث على الصلاة، والصيام، وتلاوة القرآن، والإكثار من ذكر الله، والصلاة والسلام على رسول الله، والحث على سائر الطاعات؟ متى يسمع منه النهي عن الكذب، والأيمان الكاذبة، والحلف بغير الله، ومنكر القول وزوره، وغير ذلك من سائر المحرمات؟
فاتقوا الله عباد الله، وخافوا الله في أنفسكم، وفي أولادكم، وفي أهليكم، ومن تحت أيديكم، ممن جعلهم الله أمانة في أعناقكم، وسوف تسألون . يقول سبحانه تحذيرًا وتخويفًا لكم أيها المؤمنون: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الأنفال: 27] ويقول جل شأنه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أول الخطبة الثانية
الحمد لله عالم الغيب والشهادة أحمده سبحانه وأشكره، وأسأله الحسنى والزيادة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، والتزموا بأوامر ربكم تفلحوا، واتبعوا سنة نبيكم تربحوا،وأدوا أماناتكم، وحافظوا على ما استرعاكم عليه إلهكم، خذوا على أيدي سفهائكم ، أدبوهم، وعلموهم ما ينفعهم ويقربهم إلى الله وإلى مرضاته قوموا أهليكم ومن تحت أيديكم، عودوهم على ملازمة الطاعات، والبعد عن السيئات، نشؤهم على الأخلاق الإسلامية، والآداب المرضية، لقد غفل البعض منا عن تربية من تحت أيديهم، وفسحوا لهم المجال، يمرحون ويسرحون، حسب ما تملي عليهم رغباتهم، وتقودهم إليه شهواتهم.
فاليوم نجد بعض النساء يذهبن للأسواق، ويزاحمن الرجال، يظهرن محاسنهن بدون خوف وخجل، يتعرضن للفتن، ويجلبن على أنفسهن وعلى غيرهن البلاء أين أولياؤهن؟ أين غيرتهم على محارمهم؟! يقول النبي الكريم الناصح الأمين r : « ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء » ([3]).
ومن جانب آخر هناك شباب يسعون وراء شهواتهم، قل دينهم، وخلقهم، فنجدهم يتتبعون المحارم والعورات بنظراتهم وأفعالهم.
أين هؤلاء وهؤلاء من التوجيه الإلهي الكريم حين يقول الحق سبحانه: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } [النور: 30، 31].
([1]) رواه الترمذي في كتاب الرضاع رقم (1171).
([2]) رواه البخاري في كتاب الجنائز رقم (1296).
([3]) رواه البخاري في كتاب النكاح رقم (4706).
المرفق | الحجم |
---|---|
16التحذير من الترف والتوسع في الخدم.doc | 76.5 كيلوبايت |