الحمد لله الحكيم الخبير، أحاط بكل شيء علما، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ نعماه، وأسأله المزيد من فضله، والإعانة على شكره وذكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على ما أولاكم من نعمه الظاهرة والباطنة، وأدوا شكرها ليحصل لكم المزيد منها، وخافوا من كفران النعمة فإن كفران النعمة سبب من أسباب زوالها، وتعرض لنفورها، وإن من كفران النعمة الغفلة عن مسديها، والإعراض عن الأوامر الإلهية، والانهماك في الشهوات المحرمة، والتقلب بالمعاصي.
إن الله خلق الخلق لعبادته، ورزقهم أصناف الرزق ليشكروه، وليعملوا صالحا، كما قال I:{ا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [المؤمنون: 51].
وإن طاعة الله، والعمل بما يرضيه من أعظم أنواع الشكر، كما قال سبحانه:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ: 13]. فأخبر سبحانه أنه قليل من عباده الشكور، وأن الغالب على الخلق عدم الشكر، وعدم التقيد بالأوامر الشرعية، والانقياد لها، وإنكم عباد الله في هذه البلاد من الله عليكم بنعم وافرة، وصار الكثيرون يفدون إليكم؛ لينعموا معكم في هذا الاستقرار والأمن، وسعة الرزق، وقد كان آباؤكم وأجدادكم يضربون في الأرض شرقا وغربا يتركون أولادهم وأزواجهم، ويهجرون أوطانهم في طلب المعيشة لهم، وقد يحصلون على القليل منها، وقد لا يحصلون على شيء، فتذكروا نعم الله، وقيدوها بالشكر.
وإن مما يؤسف له أن كثيرا من الناس استعملوا نعم الله في معاصي الله وفي مخالفة أمره وأمر رسوله r، لقد تمادى الكثيرون في الترف المحرم والسرف المنهي عنه، والتفاخر حتى ارتكبوا بسبب ذلك المحرمات الموجبة لسخط الله ونقمته، وهذا خطر كبير، إنه ينبغي للمسلم أن يستشعر خوف الله ومراقبته في كل حين ؛ ليأمن من عذابه وعقابه، وإن من أخطر الأمور التي حدثت في مجتمعنا اليوم هو هذا التوسع الزائد عن قدر الحاجة من استجلاب الكثيرين من الخدم، والخادمات، من بعض البلاد التي لم يتقيد أهلها بالتربية الإسلامية الحقة، بل قلدوا الأجانب في أكثر أمورهم، ولم يتقيدوا بتعاليم الإسلام، فإن هؤلاء قد كثروا الآن بيننا إلى درجة خطيرة جدا، فكثر الخدم والحشم في البيوت، هذا خادم، وهذا سائق، وذاك حارس، وآخر طباخ، وأكثرهم يختلطون بالنساء، ويدخلون عليهن في غيبة من أوليائهن، والبيوت فيها الزوجات، والبنات والأخوات، ولا يكترثن منهم، فالخادم يتردد بالحوائج عليهن، والطباخ في أكثر الوقت وهو في البيت، والسائق يذهب بهن إلى حيث يردن، ومن جانب آخر قد كثرت الخادمات والمربيات في البيوت، يخلو بهن صاحب المنزل، وأولاده، وحشمه وخدمه، وهذا في الحقيقة شيء خطير، وشر مستطير، يجب التنبيه له، وأخذ الحيطة فيه؛ لئلا يكثر الشر والفساد، فتحل علينا النقمة، وتزول النعمة.
لقد حذرنا الناصح الأمين r من ذلك، وبين خطره فقال عليه الصلاة والسلام: (( ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )) فإذا كان الشيطان ثالثهما، فلا تسأل عما يسوله، ويحسنه، ويمليه من الفاحشة لاسيما مع قلة الوازع الديني، والرادع القوي، وإن كثيرا من هذه الخدم التي تأتي بدون محرم، وربما كانت غير مسلمة وغير متقيدة بالتعاليم الإسلامية، أو ربما كانت ناشئة في بلاد لا تعرف معروفا، ولا تنكر منكرا، وإن تسمت بالإسلام، وإن هناك ما هو أشد خطرا، وأعظم ضررا، وهو أن كثيرا يأتون بمربيات لأولادهم غير مسلمات، سواء كن من الكتابيات، أو الوثنيات، وهذا شيء له مفاسده ومضاره، في الحال والمآل.
إن تربية البنين والبنات وتنشئتهم أساس عظيم للمجتمع كله، إن التربية أساس لأخلاقهم، ولدينهم، ومعاملاتهم، إذا نشأ الولد على تربية إسلامية صحيحة نشأ مسلما حقا يقتدي به أولاده، وأهله، وجيرانه، ومجتمعه، في الاستقامة، وحسن المعاملة، وإن نشأ على تربية شخص غير مسلم، وغير ملتزم بآداب الإسلام، وأخلاقه، فماذا تكون حالته؟! وكيف تكون تربيته ؟ لا بد في الغالب أن تتغير فطرته، وينحرف خلقه ويسوء أدبه، لقد قال r: « كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه » . وما ذاك إلا لتربيتهما له؛ لأنه يسمع ما يتكلم به مربيه، ويتأثر بعمله، ويتحلى بخلقه، ويقلده بأفعاله، وما يكتسبه من أقواله، فإذا تولى تربية أولاد المسلم من ليس بمسلم متى يسمع منه الطفل لفظ الشهادتين لينشأ عليها، متى يراه يصلي الصلاة ويتوضأ لها؟ متى يسمع منه الحث على الصلاة والصيام وتلاوة القرآن والإكثار من ذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله والحث على سائر الطاعات؟متى يسمع منه النهي عن الكذب والأيمان الكاذبة والحلف بغير الله ومنكر القول وزوره وغير ذلك من سائر المحرمات؟.
فاتقوا الله عباد الله، وخافوا الله في أنفسكم، وفي أولادكم، وفي أهليكم ومن تحت أيديكم ممن جعلهم الله أمانة في أعناقكم، وسوف تسألون عنهم، يقول سبحانه تحذيرا، وتخويفا لكم أيها المؤمنون:
{أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الأنفال: 27]. وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6].
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أول الخطبة الثانية
الحمد لله عالم الغيب والشهادة، أحمده سبحانه وأشكره، وأسأله الحسنى والزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، والتزموا بأوامر ربكم تفلحوا، واتبعوا سنة نبيكم تربحوا، وأدوا أماناتكم، وحافظوا على ما استرعاكم عليه إلهكم، خذوا على أيدي سفهائكم، أدبوهم، وعلموهم ما ينفعهم، ويقربهم إلى الله، وإلى مرضاته، قوموا أهليكم، ومن تحت أيديكم، عودوهم على ملازمة الطاعات، والبعد عن السيئات، نشئوهم على الأخلاق الإسلامية، والآداب المرضية. لقد غفل الكثيرون منا عن تربية من تحت أيديهم، وأفسحوا لهم المجال يمرحون، ويسرحون حسب ما تملي عليهم رغباتهم، وتقودهم إليه شهواتهم.
إن كثيرا من النساء يذهبن للأسواق، ويزاحمن الرجال، وهن متبرجات متعطرات، كاسيات عاريات، يظهرن محاسنهن بدون خوف وخجل، يتعرضن للفتن ويجلبن على أنفسهن وعلى غيرهن البلاء، أين أولياؤهن؟أين غيرتهم على محارمهم؟إن هذا بلاء على المجتمع مبين، وخطر عظيم، يقول النبي الكريم الناصح الأمين r: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء». فاتقوا الله عباد الله، وأدوا أماناتكم، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.
المرفق | الحجم |
---|---|
21خطر اختلاط الأجانب بالمحارم.doc | 76.5 كيلوبايت |