الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ النعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، معلمنا، ومرشدنا إلى الطريق القويم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان .
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . إن تقوى الله عز وجل هي الحصن الحصين، الواقي من غوائل الفتن والشرور، وهي التي تنير لك الطريق المستقيم، الذي ينجو من سلكه ويفوز من انتهجه، ولكن لا تتم التقوى ولا ترسو قواعدها إلا على أساس متين من العلم النافع، الموروث عن الرسول، المبعوث بالهدى والرحمة، فإنه r لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه . ولقد حث r أمته على تعلم العلم وتفهمه والعمل به .
ولقد أرشدنا القرآن الكريم مبينًا لنا أن العلم هو الأساس للعمل، وأنه لا بد أن يتقدم عليه حتى يكون العمل مبنيًا على أصل من الشرع المبين، وعلى هدى مستقيم . يقول سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[محمد:19] فأمر سبحانه بالعلم أولًا بقوله : {فَاعْلَمْ}، ثم ذكر العمل بعده، بقوله:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} فإن الاستغفار نوع من العمل الذي يصفه العلم ويأمر به، كما تدل الآية على شرف العلم وأهميته .
وفي هذه الأزمنة بفضل الله انتشر التعلم انتشارًا واسعًا في أكثر البلاد وفي هذه البلاد له خصوصية وميزة ولله الحمد . فقد تعددت المدارس والمعاهد والجامعات، ويقوم فيها معلمون أفاضل بتدريس مختلف التخصصات، على منهج سليم، ومسلك قويم في أغلبها . ونحمد الله على ذلك، إلا أن البعض منهم قد يركز في تدريسه على المادة العلمية فقط دون الاهتمام بالتربية الإسلامية، والتهذيب للأخلاق، والعلوم المدرسية شرعية كانت أو مما يحتاج إليها المجتمع من العلوم الأخرى، لا بد لها أن تحاط بسياج قوي من العمل بالأوامر الإلهية، والتوجيهات النبوية، والتحلي بالأمانة والصدق والإخلاص، والتخلق بأخلاق القرآن الكريم، والشمائل النبوية.
وينبغي حث الطلاب على الاتصاف بهذه الصفات التي هي من مكارم الأخلاق، وما اشتملت عليه من الحلم والصبر، والتحمل، والبعد عن الصفات الذميمة، كالغيبة، والنميمة، والكذب، والكبر، والازدراء، وعدم التثبت فيما ينقل من الأخبار ونحوها .
وإن من واجب المدرس أن يقوم بتعليم طلابه لهذه الأخلاق، والاتصاف بها مصاحبة لتعليم المواد المقررة فإن وظيفة المدرس هي التربية والتعليم، فإذا كان التعليم هو التفهيم للمناهج والمواد المقررة فإن التربية تصاحب هذه المواد وتلازمها وهي مكملة لها، وربما كانت من لوازمها ولذلك جاء وصف العلماء بصفة التربية والربانية، وسمى العالم الجامع بين تعليم العلم وتربية النفوس بالأخلاق العالية العالم الرباني، ربانيًا بما يحصل منه من التربية على العلم وعلى العمل، وعلى الأخلاق الكريمة، والصبر والتحمل، وللأمانة، والشفقة على الناس، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإن هذا من تمام النصح للخلق بطريقة الدعوة بالحكمة، والموعظة الحسنة، وبالدعوة بالتي هي أحسن، والبعد عن الإثارة وجرح الشعور، فإن ذلك أدعى للقبول، وأقرب إلى التأثر والقبول من الناصح .
وقد قال العلماء رحمهم الله: إن العلماء الربانيين هم الذين يتدرجون بطلابهم من المسائل السهلة إلى المسائل الصعبة، ويربونهم بالأخلاق الكريمة، وكيفية التحمل للعلم من تعظيمه، واحترامه، والعمل به، والإخلاص في طلبه، والتواضع، وأن يبتغي بذلك وجه الله، ويتسم بسمات السلف الصالح، والعلماء الأفاضل الذين يطلبون العلم محبة له، وللعمل به، اقتداء بالصفوة من هذه الأمة، فالتعليم يتطلب من المعلم اهتمامه بالمادة العلمية، وتفهيم الطلاب لها، وتعليمهم إياها بمقتضى المنهج المرسوم على أكمل وجه، وأحسن أسلوب، مراعيًا في ذلك ما بين طلابه من فوارق فردية تحضه على الاهتمام بذوي الأفهام المتوسطة من الطلاب متصفًا بالصبر والتحمل في سبيل إيضاح المادة لهم .
كما أن على المعلم أن يتحرى الأمانة والإخلاص، والعدالة في تقويم الطلاب، تقويمًا مبنيًا على مقتضى المنهج التعليمي، متجردًا في تقويمه للطلاب، عن العلاقات الشخصية بهم، أو الاتجاهات النفسية نحوهم .
كما أن من واجب المدرس الاتصاف بصفات أهل العلم، والتحلي بمكارم الأخلاق، وأداء الواجب على الوجه الأكمل، والمحافظة على مواعيد الحصص، وأن يكون قدوة لطلابه، بأفعاله قبل أقواله، وأن يتطابق القول والعمل . والحذر كل الحذر من أن يتخلف العمل عن القول، فإن هذا ينزع الثقة بالمدرس من نفس الطالب فتصبح أقواله قليلة الجدوى، وقد نبه الله عز وجل عباده المؤمنين إلى ذلك تحذيرًا منه لهم، فقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3] .
فاتقوا الله عباد الله، وأدوا أماناتكم، وامتثلوا أمر ربكم، واعملوا بقوله سبحانه: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79].
نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .
أول الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه سبحانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه .
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بالعروة الوثقى، وتفهموا كتاب ربكم تفلحوا، واعملوا بسنة نبيكم تهتدوا.
واعلموا أن طريقة الدعوة إلى الله، وتعليم العلم، وإرشاد الناس إلى ما ينفعهم في أمور دينهم من أفضل الأعمال، وأجلها قدرًا، وأعظمها أجرًا، لا سيما غرس العلوم الشرعية، والآداب الإسلامية في نفوس الناشئة، فإن له الأثر في الحال والمآل ويكون التأثير أبلغ إذا كانوا صغارًا لم تتلوث نفوسهم بالمؤثرات المادية والأخلاقية المنحرفة، بل هي على الفطرة التي فطروا عليها.
وإن للمدرس أثرًا كبيرًا في ذلك . قال بعض العلماء: إن المعلم الماهر يستطيع أن يصوغ هذه النفوس في القالب الذي يحب، وإذا عرفنا طول عشرة التلميذ لمعلمه، وأدركنا أن كلمات المعلم لها وقعها في النفوس بين طلابه، علمنا أن واجبهم في الدعوة إلى الله، وإلى مكارم الأخلاق، وغرسها في نفوس طلابهم أمرٌ له تأثيره، وله نتائجه الحسنة . وإن كان المدرس بعكس ذلك فله أثره وسلبياته السيئة، فإن تكوين الأخلاق السامية والآداب الشرعية في النفوس، والعمل بالعلم، والاتصاف بصفات العلماء العاملين من سلفنا الصالح، أولى من حشو الأدمغة بالمعلومات الخالية من تلك الصفات، وماذا ينتفع الناس من علم شخص فسدت أخلاقه وآدابه، ولم يهذبه العلم، ويقومه الأدب .
فليحرص المعلمون المخلصون على تقويم أخلاق طلابهم، وحثهم على العمل، والتخلق بأخلاق القرآن الكريم، والاتصاف بصفات سيد المرسلين .
وليعلم إخواننا المدرسون أن الله أودعهم ودائع، وحملهم أمانة، واجب عليهم رعايتها، والقيام بحقها فهم رعاتها، وكل راع مسئول عن رعيته .
المرفق | الحجم |
---|---|
14بداية العام الدراسي.doc | 75.5 كيلوبايت |