(ألقيت بتاريخ 23-12-1408هـ).
الحمد لله أحمده حمد عباده الذاكرين، وأشكره شكر عباده الشاكرين، وأستعيذ به من أحوال الجاهلين الغافلين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واشكروا مولاكم على ما أولاكم من نعمه الظاهرة والباطنة، واشكروه على نعمة الإسلام والإيمان، ونعمة الأمن في الأوطان وجددوا لله شكرًا على ما سهل لكم من أداء مناسككم على أكمل وجه وأتمه، في غاية الراحة والطمأنينة، فلقد قام الحجيج ولله الحمد بأداء مناسكهم في منتهى السهولة، وفي غاية الطمأنينة والأمن والاستقرار، بفضل الله وحده، ثم بجهود المخلصين من القائمين على خدمة هذا البيت العتيق ورواده.
وإن من فضل الله على عباده أن خذل كل متربص حقود، ورد كيد كل باغ وكنود، رغم محاولة كيد الكائدين، وحرص المنافقين على تكدير صفو هذا البلد الأمين، وتشتيت شمل الحجاج والمعتمرين، وإثارة الفزع والفتن بين الراكعين الساجدين، ومحاولة بث القلق والرعب بين أرجاء هذه البقاع الطاهرة والمشاعر المقدسة،ولكن عناية الله ببيته الحرام وتوفيقه سبحانه للقائمين برعايته وخدمته، ردت كل من أراد به ظلمًا خاسئًا وهو حسير، ورد كيدهم في نحورهم، وجعل بأسهم بينهم، وشتت شملهم، وجعلهم سخرية للساخرين، وشماتة للشامتين، وأذاقهم الله العذاب الأليم، كما قال أصدق القائلين: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] وهذه سنة الله في خلقه، فقد قضى سبحانه أن كل باغ يعود بغيه عليه، وأن كل ناكث يعود نكثه على نفسه، وأن كل صاحب مكر يعود وبال مكره عليه، كما قال عز من قائل في حق الباغين:
{إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23] وقال في حق الناكثين: { فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ } [الفتح: 10].
وقال في حق الماكرين: { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] فله الحمد سبحانه على قضائه وعدله، وعلى نعمائه وفضله، حمدًا يتجدد بالرواح والبكور، ويستمر ما بقيت الأيام والدهور.
عباد الله: اشكروا ربكم على ما أنعم، واسألوه المزيد من فضله، واستغفروه وتوبوا إليه، واطلبوا العفو عن الزلل وغفران ما حصل من خلل أو خطل . ولتكن حالتكم بعد حجكم خيرًا مما هي قبل ذلك، لتفوزوا بالأجر، ولتنالوا ما وعد الله عباده المخلصين من المغفرة وتكفير الوزر، فقد قال r: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» ([1]).
إن من علامة قبول الحج متابعة فعل الخيرات، والإكثار من الطاعات، والبعد عن السيئات، وإن علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها، وإن من علامة ردها السيئة بعدها فابتعدوا عن السيئات،وسارعوا إلى الطاعات، وحققوا عباد الله إيمانكم بربكم بإخلاص العمل له، والبعد عن التعلق بغير الله ممن لا يضر ولا ينفع، فلا تدعوا مع الله أحدًا، ولا ترجوا إلا الله، فالأمر كله لله، كما قال سبحانه في حق أفضل الخلق أجمعين، ورسول رب العالمين: ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) [آل عمران:128] فإذا كان هذا في حقه صلوات الله وسلامه عليه فكيف بغيره من المخلوقين{ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13، 14] فاعبدوه سبحانه مخلصين له الدين كما أمركم يقول U : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البينة: 5].
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أول الخطبة الثانية
الحمد لله على نعمائه، وأشكره على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وامتثلوا أوامر ربكم، وأطيعوه، واجتنبوا نواهيه وراقبوه، وعظموا شعائر الله، فإن تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب، ألا وإن ربكم سبحانه أمركم بتعظيم حرماته وشعائره، وأخبر أن ذلك خير لكم عند الله لمن يطلب خيره، ويرجو رحمته، فإن رحمة الله قريب من المحسنين.
وإن من تعظيم الشعائر التي أمر الله بها تعظيم هذه الكعبة المشرفة، التي هي قبلة المسلمين، والتي هي قيام للناس في أمور دينهم ودنياهم، والتي أمر الله بقصدها، والحج إليها، والطواف بها، وجعل ذلك فرضًا من فروض شريعتنا الإسلامية، بل هو ركن من أركان دين الإسلام كما قال سبحانه:{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } [آل عمران: 97].
وقال سبحانه: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ }[الحج: 29] الذي أعتقه الله من بغي الجبابرة،ومن عبث العابثين،ومن كيد الطغاة، فمن قصده بسوء دمره الله، ومن أراد به إلحادًا أذاقه الله العذاب الأليم في دنياه وأخراه. يقول سبحانه: { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الحج: 25].
ويقول r مبينًا مكانته وحرمته وتحريم الأذية فيه: (( إن هذا بلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته، إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه )) ([2]).
فيجب على كل مؤمن يؤمن بالله ورسوله أن يتمثل أمر الله، وأمر رسوله، وليحذر مخالفة أمره{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور: 63].
فكيف يسوغ لمن يتسمى بالإسلام مخالفة هذه الآيات الصريحات، وهذه الأحاديث الصحيحة. كيف يتجرأ من يدعي الإسلام على أذية المؤمنين الآمنين في هذا البلد الأمين؟!، وكيف يروع سكان وحجاج بيت الله والنبي r يقول: (( لا ينفر صيدها )) فإذا كان هذا في تنفير الحيوان فكيف بحرمة المؤمنين، وتخويفهم، وترويعهم، وسفك الدماء !!. أين الإيمان بزواجر القرآن، وتهديده، وتحذير النبي r ، وتخويفه؟!. فاتقوا الله عباد الله، وحققوا إيمانكم بربكم، وامتثلوا أمره، واتبعوا هدي نبيكم r .
([1]) رواه البخاري في كتاب الحج، رقم (1521) ومسلم في كتاب الحج أيضًا رقم (1350).
([2]) رواه البخاري في كتاب الحج، رقم (1834)، ومسلم في كتاب الحج أيضًا، رقم (1353).
المرفق | الحجم |
---|---|
16محاولة بعض الفساق زعزعة أمن الحجيج.doc | 77.5 كيلوبايت |